الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فقوله: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ} ليس معطوفًا بالقول وهو انظروا بل معطوف على الجملة الكبرى.على أن عطف الخبر على الطلب كثير كقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (112)، وقوله: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (118).والمقصود أنه على هذا القول، يكون الله سبحانه قد سلّم على المصطفين من عباده، والرسلُ أفضلهم. انتهى. وقوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}.إضراب وانتقال، من التبكيت تعريضًا، إلى التصريح به خطابًا على وجه أظهر منه لمزيد التأكيد. أي: بل من خلق السماوات والأرض، وأودع فيهما من المنافع ما لا يحصى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} أي: بساتين ذات حسن ورونق يبهج النظار: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي: أَإِله آخر كائن مع الله، الذي ذكر بعض أفعاله، التي لا يكاد يقدر عليها غيره، حتى يتوهم جعله شريكًا له تعالى في العبادة؟ وهذا تبكيت لهم بنفي الألوهية عما يشركون به تعالى، في ضمن النفي الكليّ على الطريقة البرهانية، بعد تبكيتهم بنفي الخيرية عنه بما ذكر من الترديد. قال أبو السعود: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} أي: عن طريق الحق. أو به تعالى غيره {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا} أي: قارة لا تنكفئ بمن عليها. أو مستقرًا لمن عليها، يتمتعون بمنافعها: {وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} أي: برزخًا مانعًا من الممازجة: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي: في الوجود، أو في إبداع هذه البدائع: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي: شيئًا من الأشياء. ولذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليه من الشرك، مع كمال ظهوره: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر، إلى اللجأ والتضرع إلى الله تعالى، اسم مفعول من الاضطرار الذي هو افتعال من الضرورة وهي الحالة المحوجة إلى اللجأ أي: الالتجاء والاستناد.قال ابن كثير: ينبّه تعالى أنه المدعوّ عند الشدائد، الموجود عن النوازل، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]، وقال تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، وهكذا قال هاهنا: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}، أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه؟.قال ابن القيم في الجواب الكافي: إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف انكسارًا بين يدي الرب وذلًا له وتضرعًا ورقة، ثم توسل إليه تعالى بأسمائه وصفاته وتوحيده، فإن هذا الدعاء لا يكاد يردّ أبدًا. ولاسيما إن صادف الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم. ثم ساقها ابن القيم مسندة.ثم قال: وكثيرًا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم، فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله. أو حسنة تقدمت منه، جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرًا لحسنته. أو صادف الدعاء وقت إجابة، ونحو ذلك، فأجيبت دعوته. فيظن الظانّ أن السر في لفظ ذلك الدعاء، فيأخذه مجردًا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي. وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعًا، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي. فانتفع به. فظن غيره أن استعمال هذا الدواء بمجرده، كاف في حصول المطلوب، كان غالطًا. وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس. ومن هذا قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب. فيظن الجاهل أن السر للقبر ولم يعلم أن السر للاضطرار وصدق اللجأ إلى الله. فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله، كان أفضل وأحب إلى الله. انتهى.وقوله تعالى: {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} أي: كل ما هو يسوء مما يضطر فيه وغيره: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} أي: خلفاء فيها. وذلك توارثهم سكانها، والتصرف فيها قرنًا بعد قرن أو أراد بالخلافة الملك والتسلط. قاله الزمخشري {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي: بالنجوم في السماء، والعلامات في الأرض، إذا جن الليل عليكم مسافرين في البر والبحر: {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} وهي المطر: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.{أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي: بعد الموت بالبعث. فإن قيل: هم منكرون للإعادة، فكيف خوطبوا بها خطاب المعترف؟ أجيب بأنها لظهورها ووضوح براهينها، جعلوا كأنهم معترفون بها، لتمكنهم من معرفتها- فلم يبق لهم عذر في الإنكار. فلا حاجة إلى القول بأن منهم من اعترف بها، فالكلام بالنسبة إليه: {وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أي: مما ينزله من مائها وما يخرجه من نباتها: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أمرٌ له عليه الصلاة والسلام بتبكيتهم إثر تبكيت. أي: هاتوا برهانًا عقليًا أو نقليًا، يدل على أن معه تعالى إَلَهًَا. لا على أن غيره تعالى يقدر على شيء مما ذكر من أفعاله تعالى، فإنهم لا يدعونه صريحًا. وفي إضافة البرهان إلى ضميرهم، تهكم بهم. لما فيها من إيهام أن لهم برهانًا. وأَنَّى لهم ذلك؟ قاله أبو السعود: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} أي: فإنه المتفرد بذلك وحده، كما قال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59]، في آيات لا تحصى. والاستثناء منقطع، لاستحالة أن يكون تعالى ممن في السماء والأرض، أو متصل، على أن المراد ممن في السماوات والأرض، من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها مجازًا مرسلًا أو استعارة. فإنه يعمّ الله تعالى وأولي العلم من خلقه: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي: متى ينشرون.{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ}.قال السمين: فيه وجهان: أحدهما: أن في على بابها، وادّارك وإن كان ماضيًا لفظًا، فهو مستقبل معنى، لأنه كائن قطعًا. كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1].وعلى هذا ففي متعلق بادّارك.والثاني: أن في بمعنى الباء. أي: بالآخرة.وعلى هذا فيتعلق بنفس علمهم. كقولك: علمي بزيد كذا. انتهى.والوجه الثاني على الاستفهام. أي: بل هل ادّارك علمهم فيها، أي: بلغ وانتهى؟ كلا. وقد قرئ: بل أءدرك بهمزتين، بل اءدرك بألف بينهما، أم أدرك وأم تدارك.قال الرازيّ: وهي أم التي بمعنى بل والهمزة. فالمعنى على الاستفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم بها، وأنهم لم يبرحوا في حضيض الجهالة بحقيتها، مع ما يتلى عليهم من أدلة ثبوتها.وقد جنح إلى الكلام على تقدير الاستفهام، السيوطيّ والمهايميّ. وذهب غيرهما إلى إبقاء بل على أصلها من الإضراب الانتقاليّ. وقرروه بما فيه خفاء ودقة ويبعده ما ذكرنا من القراءات الصريحة في الاستفهام. وهي مما يرجع إليها إذا اشتبه المقام. كما تقرر في قواعد التفسير: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} أي: مرية، مع تقرير ما يزيله ويكشف غشاوته: {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} أي: في عماية وجهل كبير.قال الزمخشريّ: فإن قلت: هذه الاضطرابات الثلاثة ما معناها؟ قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم: وَصَفَهُمْ أَولًا بأنهم لا يشعرون وقت البعث. ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة. ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية، فلا يزيلونه. والإزالة مستطاعة. ألا ترى أن من لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أربابها بعضهم لبعض، كان أمره أهون ممن سمع بها وهو جاثم، لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل؟ ثم بما هو أسوأ حالًا، وهو العمى وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه، وفرجه، لا يُخْطِر بباله حقًا ولا باطلًا ولا يفكر في عاقبة. وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه. فلذلك عداه بمن دون عن لأن الكفر بالعاقبة والجزاء، هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون. انتهى. اهـ.
.فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}.والمُضْطَرُّ: اسمُ مفعولٍ. مأخوذٌ مِنْ اضْطُرَّ، ولا يُسْتعمل إلاَّ مبنيًا للمفعول. وإنما كُرِّر الجَعْلُ هنا، ولم يُشْرَكْ بين المعمولاتِ في عاملٍ واحد، لأنَّ كلَّ واحدٍ مِنْ هذه منه مستقلةٌ فَأَمْرَرَها في جملةٍ مستقلةٍ بنفسِها.{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}.قوله: {بُشْرًَا} قد تقدَّم في الأعراف.{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)}.قوله: {إِلاَّ الله} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه فاعلُ {يَعْلَمُ} و{مَنْ} مفعولُه. و{الغيبَ} بدلٌ مِنْ {مَنْ السماواتِ} أي: لا يعلمُ غيبَ مَنْ في السماواتِ والأرضِ إلاَّ اللهُ أي: الأشياءَ الغائبةَ التي تَحْدُثُ في العالَمِ. وهو وجهٌ غريبٌ ذكره الشيخ. الثاني: أنه مستثنى متصلٌ مِنْ {مَنْ} ولكن لابد من الجمعِ بين الحقيقةِ والمجازِ في كلمةٍ واحدةٍ على هذا الوجهِ بمعنى: أنَّ عِلْمَه في السماوات والأرضِ، فيَنْدَرِجُ في {مَن فِي السماوات والأرض} بهذا الاعتبارِ وهو مجازٌ وغيرُه مِنْ مخلوقاتِه في السماواتِ والأرضِ حقيقةٌ، فبذلِك الاندراجِ المُؤَوَّل اسْتُثْنِي مِنْ {مَنْ} وكان الرفعُ على البدلِ أَوْلَى لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ.وقد رَدَّ الزمخشريُّ هذا: بأنه جَمْعٌ بين الحقيقةِ والمجازِ، وأوجبَ أن يكونَ منقطعًا فقال: فإنْ قلتَ: لِمَ رُفِعَ اسمُ اللهِ، واللهُ يتعالى أن يكونَ مِمَّنْ في السماواتِ والأرض؟ قلت: جاء على لغةِ بني تميمٍ حيث يقولون: ما في الدار أحدٌ إلاَّ حمارٌ يريدون: ما فيها إلاَّ حمارٌ، كأنَّ أحدًا لم يُذْكَرْ. ومنه قولُه:وقولُهم: ما أتاني زيدٌ إلاَّ عمروٌ، وما أعانني إخوانكم إلاَّ إخوانُه. فإنت قلت: ما الداعي إلى اختيارِ المذهبِ التميمي على الحجازي؟ قلت: دَعَتْ إليه نُكْتَةٌ سِرِّيَّةُ حيث أُخْرِج المستثنى مُخْرَجَ قولِه: بعد قوله: ليئول المعنى إلى قولك: إنْ كان الله مِمَّنْ في السماوات والأرضَ فهم يعلمون الغيبَ. يعني: أنَّ عِلْمَهم الغيبَ في استحالتِه كاستحالةِ أن يكونَ اللهُ منهم. كما أنَّ معنى ما في البيت: إنْ كانت اليعافيرُ أَنيسًا ففيها أنيسٌ، بَتًَّا للقولِ بخُلُوِّها من الأنيسِ. فإن قلت: هَلاَّ زَعَمْتَ أن اللهَ مِمَّنْ في السماواتِ والأرضِ، كما يقول المتكلمون: إنَّ الله في كلِّ مكان على معنى: أنَّ عِلْمَه في الأماكن كلها، فكأنَّ ذاتَه فيها حتى لا يُحْمَل على مذهبِ بني تميمٍ قلتُ: يأبى ذلك أنَّ كونَه في السمواتِ والأرضِ مجازٌ، وكونَهم فيهنَّ حقيقةٌ، وإرادةُ المتكلمِ بعبارةٍ واحدةٍ حقيقةً ومجازًا غيرُ صحيحٍ. على أنَّ قولَك مَنْ في السماوات والأرض: وجَمْعَك بينه وبينهم في إطلاقِ اسمٍ واحدٍ، فيه إيهامُ تَسْويةٍ، والإِيهاماتُ مُزَالةٌ عنه وعن صفاتِه. ألا ترى كيف قال عليه السلام لِمَنْ قال: ومَنْ يَعْصِهما فقد غوى «بِئْسَ خطيبُ القومِ أنت» قلت: فقد رَجَّحَ الانقطاعَ واعتذر عن ارتكابِ مذهبِ التميمين بما ذَكَر. وأكثرُ العلماءِ أنه لا يُجْمَعُ بين الحقيقةِ والمجازِ في كلمةٍ واحدة. وقد قال به الشافعيُّ.قوله: {أَيَّانَ} هي هنا، بمعنى متى وهي منصوبةٌ ب {يُبْعَثون} فتعلُّقُه ب {يَشْعُرون} فهي مع ما بعدها في محلِّ نصبٍ بإسقاطِ الباءِ أي: ما يَشْعرون بكذا. وقرأ السُّلميٌّ {إيَّان} بكسرِ الهمزةِ، وهي لغةُ قومِه بني سُلَيْم.{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)}.قوله: {ادارك} قرأ ابنُ كثير وأبو عمرو ونافع {أَدْرَكَ} كأَكْرم. والباقون من السبعةِ {ادَّارك} بهمزةِ وَصْلٍ، وتشديدِ الدالِ المفتوحةِ، بعدها ألفٌ. والأصلُ: تَدارك وبه قرأ اُبَيٌّ، فأُريد إدغامُ التاءِ في الدالِ فأُبْدِلَتْ دالًا، وسُكِّنَتْ فتعذَّر الابتداءُ بها لسكونهِا، فاجْتُلِبَتْ همزةُ الوصلِ فصار ادَّارك كما ترى، وتحقيقُ هذه قد تقدَّم في رأسِ الحزبِ من البقرة: {فادارأتم فِيهَا} [البقرة: 72]. وقراءةُ ابنِ كثير قيل: تَحْتمل أن يكونَ أَفْعَلُ فيها بمعنى تَفاعَلَ فتَتََّحِدَ القراءتان. وقيل: أَدْرَكَ بمعنى بَلَغَ وانتهى. وقرأ سليمان وعطاء ابنا يَسار {بلَ ادَّرَكَ} بفتحِ لامِ {بل} وتشديد الدالِ دونَ ألفٍ بعدَها. وتخريجُها: أنَّ الأصلَ ادَّرك على وزن افْتَعَل فأُبْدِلَتْ تاءُ الافتعالِ دالًا لوقوعِها بعد الدال. قال الشيخ: فصار فيه قَلْبُ الثاني للأولِ كقولِهم: اثَّرَدَ، وأصلُه اثْتَرَدَ من الثَّرْدِ. انتهى. قلت: ليس هذا مما قُلِب فيه الثاني للأولِ لأجلِ الإِدغام ك اثَّرَدَ في اثْتَرَدَ؛ لأنَّ تاءَ الافتعال تُبدَلُ دالًا بعد أحرفٍ منها الدالُ نحو: ادَّان في افْتَعَل من الدَّيْن فالإِبدالُ لأجلِ كونِ الدالِ فاءً لا للإِدغام، فليس مثلَ اثَّرَدَ في شيءٍ فتأمَّلْه فإنه حَسَنٌ. فلمَّا أُدْغِمَت الدالُ في الدال أُدْخِلَتْ همزةُ الاستفهامِ فسقَطَتْ همزةُ الوصلِ فصار اللفظُ أَدْرَكَ بهمزةِ قطعٍ مفتوحةٍ، ثم نُقِلَتْ حركةُ هذه الهمزةِ إلى لامِ بل فصار اللفظ: بَلَ دَّرَكَ.
|